ولادته :
ولد القارىء الشيخ محمد السيد ضيف يوم 13/8/1945م بقرية طناح مركز المنصورة بمحافظة الدقهلية في أسرة متوسطة الدخل ولكن والده الحاج سيد ضيف كان حريصاً كل الحرص على تعليم ابنه القرآن الكريم وعلومه حتى يصبح واحداً من حفظة القرآن الكريم في قرية تعشق القرآن وقارىء القرآن وكانت تتميز باستضافة مشاهير القراء لإحياء ليالي العزاء نظراً لكثرة تعداد سكانها وكثرة المتعلمين فيها وكانت هذه القرية وقتذاك وحتى اليوم أكبر قرى المنطقة واشتهر أهلها بالتجارة إلى جانب الزراعة وكان أهالي القرية المجاورة لها يتطلعون إليها وينظرون إلى أهلها نظرة إحترام لأنها قرية تهتم بالتعليم وارتقى بعض أبنائها أكبر الوظائف على مستوى محافظة الدقهلية فكان ذلك سبباً في حرص الحاج سيد ضيف في أن يدفع بابنه محمد إلى اشرف مكان وهو كتّاب القرية ليتلقى أعظم كلام وهو القرآن الكريم.
لما بلغ الابن (( محمد )) سن السابعة ألحقه والده بالكتّاب بنفس القرية التي ولد بها (( طناح )) فلم يجد مشقة لأن الكتّاب كان قريباً من البيت. ولأن الله هو الذي يملك تحديد مصائر عباده ((وكل شيء عنده بمقدار )) استطاع الطفل الصغير ابن السابعة أن يواظب بحب وشغف على التردد صباح مساء على الكتّاب يحمل المصحف في يده وأحياناً يضمه إلى قلبه كما يقول واعتبره جزءاً أو قطعة من جسده.
يقول الشيخ ضيف :
كنت سعيداً كل السعادة لترددي على كتّاب سيدنا وكلما كنت أذهب إلى الكتّاب حاملاً مصحفي في يدي أتخيل أنني سأكون ذا شأن ومكانة بفضل هذا الكتاب الذي هو بيدي فكنت أضمه إلى صدري متخيلاً أنه جزء لا يتجزأ مني لأن فيه مستقبلي في الدنيا والآخرة, كما تعلمت من أهل الفضل الذين قاموا بتحفيظي القرآن وأحكامه, وكانت سعادتي لا توصف وأنا طفل صغير عندما كنت أتم الجزء من القرآن وأراجعه أكثر من مرة على سيدنا حتى أتمكن من القرآن وقبل بلوغي الحادية عشرة كنت بفضل الله حافظاً للقرآن الكريم حفظاً جيداً. وظهرت الموهبة لدي وأنا بالكتّاب فكنت أستغل فرصة اشنغال سيدنا أو تأخره عن الحضور إلى الكتّاب فأتخيل نفسي قارئاً وملائي مستمعين وأتلو عليهم بعض الآيات بصوت جميل لفت أنظارهم إليّ فكانوا يلقبونني بالشيخ ((مصطفى)) أي الشيخ مصطفى إسماعيل لأن المرحوم الشيخ مصطفى إسماعيل كان يأتي كثيراً إلى قريتنا (( طناح )) لإحياء المآتم ولذلك أثّر فيّ الشيخ مصطفى لأنه كان كثير الحضور إلى بلدتنا وكان أسطورة يتحدث عنه والدي وأصدقاؤه من أهل القرية وأنا أسمع لهم بشغف فالحديث عذب يؤثر في السامع فعزمت النية على أن أكون مثل الشيخ مصطفى وطلبتها من الله, فوقفت ذات ليلة في الظلام الحالك وقلت: يا رب تجعلني قارئاً مشهوراً مثل الشيخ مصطفى إسماعيل, وكان سني وقتها 15 سنة وكأن أبواب السماء كانت مفتّحة على مصارعها واستجاب الله لي وأصبحت قارئاً للقرآن بالإذاعة والتليفزيون وأدعى للمحافل الكبرى, كما يدعى المرحوم الشيخ مصطفى ودائماً أتذكر الليلة التي دعوت الله فيها أن أكون مثل هذا القارىء الفذ وخاصة عندما أقلده في جواب أثناء القراءة ويقول لي المستمعون : (( والله أنت فكرتنا بالشيخ مصطفى إسماعيل)). ويعتّز الشيخ ضيف بتسجيلاته التي تزيد على عشرة آلاف ساعة قام بتسجيلها في المآتم والحفلات بمساعدة نجله محمد الذي يعمل مذيعاً خاصاً لوالده في السهرات.
بداية الشهرة :
بعد مرحلة الطفولة وظهور علامات الموهبة والنبوغ القرآني للشيخ محمد ضيف ذهب به والده رحمه الله إلى قرية ((أويش الحجر)) مركز المنصورة والتي تبعد عن (( طناح )) بأكثر من عشرين كيلومتر ليتلقى علوم القرآن وأحكامه والقراءات السبع حتى يتمكن من تلاوة القرآن في السهرات الخاصة التي كان يدعى إليها وهو في الخامسة عشرة من عمره وذلك عند مشايخ وعلماء عائلة الجمل وخلال عامين أصبح الشيخ محمد ملماً بأحكام التلاوة والتجويد والقراءات مما شجعه على قبول الدعوات للقراءة بالمآتم والسهرات بقريته (( طناح )) والقرى المجاورة لها وفي العشرين من عمره قرأ مع الشيخ حمدي الزامل والشيخ شكري البرعي رحمهما الله .
يقول الشيخ محمد ضيف :
(( كان حلماً يراودني ليل نهار أن أقرأ بجوار واحد من اثنين وتجمعني مع أحدهم سهرة قرآنية واحده الأول المرحوم الشيخ حمدي الزامل والثاني المرحوم الشيخ شكري البرعي لأنها كانا نجمين يضيئان المنطقة التي نشأت بها داخل محافظة الدقهلية, وكان لقربهما من قريتي أثر كبير في حبي الشديد لهما لدرجة أنني كنت أقلد الأثنين في تلاوة واحدة أقرأ آية بطريقة الشيخ شكري والثانية بطريقة الشيخ حمدي, وتعلمت منهما شيئاً مهماً وهو احترام الزميل حتى ولو كان قريباً مني من حيث محل الإقامة وكان الشيخ حمدي الزامل وهو من قرية محلة ((دمنه)) والشيخ شكري وهو من قرية ((القباب)) ونظراً لقرب القريتين جداً كان من الممكن أن يختلف الإثنان في بعض الأمور ولكن لم يحدث شيء من هذا ولم ير أحد منهما إلا الحب والقرب والاحترام المتبادل بينهما وربما بهذا يرجع لسبب مهم وهو أن كل واحد منهما يثق بنفسه من حيث التمكن والجماهيرية أو الشعبية وحسن الصوت وقوة الأداء والإلتزام في تلاوته والثقة التي كانت تنعكس على تصرفاتهما معاً هي الثقة في الله وفي قدرة الله فكانت التقوى في التلاوة والمعاملة أهم ما يميزهما, ولذلك نجح الاثنان الشيخ حمدي والشيخ شكري في جذب الناس إليهما واحترام الجميع لهما, ولكن الشيخ حمدي الزامل كان بالنسبة لي هو عميد الجامعة التي تخرجت فيها لأن قريته (( محلة دمنه )) هي الأقرب لقريتي ولأن طبقات صوتي أخذتني إلى الميول بقوة إلى طريقة الشيخ حمدي الذي أخذ شهرة واسعة في مصر والعالم وخاصة بعد التحاقه كقارىء بالإذاعة والتليفزيون.
كان العامل الرئيسي في مساعدة الشيخ محمد ضيف على الشهرة والإستمرار كقارىء وثقل موهبته هو تواضعه في قرية كبيرة بها نسبة عالية من الموظفين أرباب الوظائف المرموقة, مما جعل أهالي القرية المولعين بمشاهير القراء – يأملون في أن يخرج من أبنائها واحد يكون في شهرة الشيخ مصطفى والشيخ البهيتمي والشيخ شعيشع وغيرهم من عماليق القراء.
بدأ الشيخ محمد ضيف مقلداً لأكثر من قارىء معتمداً على ذكائه وسرعة البديهة التي ساعدته على الإستمرار بقوة وفي البداية لأن حسن التصرف قد يسعف أحياناً ولأن لكل قرية قارئها المفضل فكان الشيخ محمد يبدأ بمدرسة الشيخ مصطفى والتي منها الشيخ حمدي الزامل فإذا انسجم المستمعون مع التلاوة استمر الشيخ محمد حتى النهاية وإذا وجد منهم شوقاً إلى ما يشبع روحهم زادهم بقرار أو أكثر بطريقة الشيخ محمد رفعت, كما لو أن السامع يستمع إلى صوت الشيخ رفعت لشدة الإتقان البارع المحكم الذي ينبىء عن ذكاءه وتمكن الشيخ ضيف كل هذا كوّن شخصية الشيخ محمد ضيف القرآنية حتى أصبح أحد قراء محافظة الدقهلية ومحافظات الوجه البحري وذاع صيته وانتشرت شهرته, وأصبح له لونه الخاص الذي يميّزه بعد أن تخلص من التقليد رويداً رويداً لأنه رأى القارىء إذا بدأ مقلداً بعدها يجب أن تكون له شخصيته المستقلة.
لم يخف الشيخ ضيف سراً عندما قال :
(( .. ولم أكن أتوقع أبداً أن يأتي اليوم الذي أكون فيه قارئاً بالإذاعة والتليفزيون لأنني عندما كنت أستمع إلى أعلام القراء أمثال الشيخ أبوالعينين شعيشع والشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ البنا والشيخ عبدالباسط وغيرهم من نجوم التلاوة كنت أعتبر نفسي مستمعاً لهم ولما كنت أجلس مع أحدهم تتملكني الهيبة والرجفة لما لديهم من وقار وجلال وعزة وقوة استمدوها من وقار وجلال وعزة القرآن .. ومرت الأيام ورحل كل هؤلاء العمالقة وبقيت ذكرياتهم الطيبة في نفس الشيخ محمد ضيف وفي نفوس الملايين من المستعين .. إلتحق الشيخ ضيف بالإذاعة كقارىء بها ثم بالتليفزيون, وأصبح واحداً من مشاهير القراء في مصر والعالم كله هذا بفضل الله ثم بفضل الأجهزة الحديثة التي جعلت العالم كقرية صغيرة جداً.
الإلتحاق بالإذاعة :
في عام 1984م التحق الشيخ محمد السيد ضيف بالإذاعة ونال إعجاب أعضاء اللجنة لأنه تشبع بطريقة الشيخ حمدي الزامل وصارحوه بهذا فكان سعيداً لأنه متواضع جداً جداً ومحب للشيخ حمدي بحجم تواضعه ولكن لجنة إختبار القراء بالإذاعة وجهوه ببعض النصائح وأمهلوه ستة أشهر حتى يتمكن من دراسة المقامات الموسيقية دراسة جيدة ويثقل نفسه حتى يستطيع أن يحصل على تصريح اللجنة له بتسجيل نصف ساعة للعرض مرة أخرى لمعرفة إمكاناته كلها من خلال 30 دقيقة وبعد 6 شهور عاد إلى اللجنة للإختبار , فاعتمد كقارىء بالإذاعة ولكن قراءات قصيرة وظل كذلك حتى تقدم بطلب إلى اللجنة للسماح له بتسجيل نصف ساعة للعرض لمعرفة ما إذا كان يستطيع أن يقرأ نصف ساعة, بالإضافة إلى الإذاعات الخارجية على الهواء فسمح له المسئولون وتم عرض الشريط على اللجنة فأجازوا له الشريط واعتمد كقارىء قراءات طويلة وخارجية على الهواء مباشرة ليكون قارئاً معروفاً في جميع دول العالم ولم يتبق إلا أن يكون متحدثاً بنعمة الله عليه ويتقي الله حيثما كان ويذكر نعمة الله عليه.
السفر إلى دول العالم :
منذ أكثر من عشرين عاماً والشيخ محمد السيد ضيف يزور المسلمين في شتى أنحاء الدنيا لإحياء ليالي شهر رمضان المبارك في أشهر المساجد والمراكز الإسلامية سافر إلى أمريكا قبل أن يلتحق بالإذاعة من خلال مسابقة عقدت بشئون القرآن بوزارة الأوقاف لإبعاث القراء إلى الخارج وكان ترتيبه الثالث على الجمهورية وقرأ بأشهر المساجد في كثير من الدول العربية والإفريقية سافر مع المرحوم الشيخ محمود علي البنا إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1978م وكانت ذكرياته مع الشيخ البنا بمثابة وسام على صدره ثم سافر إلى كثير من دول شمال آسيا ودول الخليج العربي وسافر مبعوثاً من قبل وزارة الأوقاف إلى العديد من الدول التي بها جاليات إسلامية ضخمة.
يقول الشيخ ضيف :
(( تأثرت كثيراً وفاضت بالدمع عيناي لما وجدت المسلمين بالمركز الإسلامي بلندن متعطشين لسماع القرآن ويبكون تأثراً بكلام الله المعجز وسبحان الله يسمعون القرآن ويفهمونه ويطربون بموسيقاه الداخلية وبالنغم والمقامات وأداء القارىء بخشوع وخاصة إذا كان القارىء متأثراً بما يقول وهذا الإقبال النفسي والروحي منهم جعلني أقوم بتسجيل القرآن كاملاً مجوداً وأهديته لهم ولكل مسلمي العالم وخاصة الجاليات المسلمة في بلاد الغربة التي يشعر فيها المسلم بالأنسة مع القرآن الذي يجمع شمل النفس ويجمع القلوب المؤمنة حوله وهذا هو سر إعجازه فالحمد لله على هذه النعمة العظيمة التي مكننا منها ربنا وأدعو الله أن يهب كل الناس نعمة القرآن وحفظه حتى يرضى الله عنا جميعاً. وأدعو الله أن يهبنا رضاه ورضا خلقه, لأن الناس شهود الله في أرضه وهذا يذكرني بما قاله الإمام الفاضل الشيخ متولي الشعراوي عني في إحدى الصحف : (( .. ومن القراء الجدد يعجبني الشيخ محمد السيد ضيف الذي يجمع بين القديم والحديث في تلاوته )) وهذا وسام أفخر به ويضاف إلى وسام حب الناس لي وخاصة أهل قريتي (( طناح )) مركزالمنصورة بمحافظة الدقهلية.
منقول